أخبار وطنية "حاضنات" الارهاب بين التفكيك والاهمال (1 من 3)
نشر في 17 أفريل 2015 (21:38)
بقلم الإعلامي نورالدين المباركي
كما لا يمكن للسيارة أن تسير على عجلة واحدة مهما كانت جودتها وقوتها، فإنه لا يمكن الارتكاز على مقاربة واحدة في مكافحة الارهاب (المقاربة الأمنية) واهمال بقية المقاربات. الجميع يتحدث عن حلقات مترابطة في مكافحة الارهاب، لكن ميدانيا يتم التركيز اساسا على المقاربة الأمنية يظهر ذلك من خلال التركيز على العمليات الامنية الاستباقية ومجهودات المؤسستين الامنية والعسكرية، أما العمل على بقية الواجهات والمقاربات فيكاد يكون غائبا، والمقصود ببقية الواجهات هي "الحاضنة" التي أوجدتها التنظيمات -التي ترفع اليوم السلاح- مباشرة بعد 14 جانفي 2011، اقصد هنا احتلال المساجد والجوامع والجمعيات التي أنشاتها و"العمل الدعوي" الذي نظمته و"خطابها المقبول" الذي اختارته.
"الحاضنة" اصبحت نقطة استراتيجية في فكر القاعدة من خلال مراجعتها للتجارب الجهادية ونقاط ضعفها واختيارها "لمفتاح صراع جديد" يقوم على "محاربة اليهود و النصارى" والتركيز على الولايات المتحدة الامريكية في فترة ما، يندرج في هذا الاطار أي توسيع دائرة الحاضنة والتعاطف الشعبي معها (يمكن في هذه الصدد مراجعة: نص ايمن الظواهري "توجيهات عامة للعمل الجهادي"- كتاب ابو مصعب السوري "دعوة المقاومة الاسلامية العالمية").
وبعد ثورات الربيع العربي تفاعلت القاعدة معها واعتبرت ان ما اتاحته هذه الثورات من حريات يجب ان يكون فرصة لتوسيع "الحاضنة " لكن دون التخلي عن الهدف الاصلي أي "التمكين" وذهب مُنظروها الى ابعد من ذلك داعين الى عدم الدخول في أي صراع مع الأنظمة بل ايضا التعاون مع الأحزاب الاسلامية الأخرى.
ويعتبر "عطية الله ابي عبد الرحمان" أكثر وضوحا في هذه المسألة في كتابه المنشور في فيفري 2011 "ثورة الشعوب وسقوط النظام العربي الفاسد، كسر صنم الاستقرار والانطلاقة الجديدة"، يقول: "إن على المصلحين من أبناء الأمة اليوم، والمجاهدين والدعاة إلى الله أن يغتنموا هذه الفرصة التاريخية، وينطلقوا في عمل دعوي وتربوي وإصلاحي وإحيائي دؤوب في ظل ما تتيحه أوضاع ما بعد هذه الثورة من حريات وفُرَص، وبعد زوال كثيرٍ من الآصار وتحطم الكثير من القيود. وفي الجملة ندعو الشباب إلى حسن الفهم للأمور، والبُعد عن "ضيق الأفق" والتشنج والاستعجالِ، ولا ينبغي أن يدخلوا في خلافاتٍ مع الطوائف المختلفة معهم في الحركة الإسلامية، كإخوة النهضة في تونس مثلاً أو غيرهم، بل ينطلقوا في العمل البنّاء الإعداديّ، وهكذا الإخوة في مصر وسيناء ورفح وغيرها، ولتكن الدعوة بالرفق والتزام الآداب الكريمة وسعة الصدر للناس واختلاف أفهامهم هي السائدة".
وعلى هذا المنهج تقريبا تحركت أنصار الشريعة في تونس من 2011 الى بداية 2013 ويمكن العودة الى تصريحات زعيمها ابو عياض وبقية قيادتها: "تونس ارض دعوة وليست ارض جهاد"، "اسمعو منا ولا تسمعوا عنا.."، بل انه عبر عن رفضه للعنف "من يقوم بالاعتداء على امن البلاد والمواطن مجرم يستحق العقاب" ويمكن العودة ايضا الى القوافل الخيرية التي نظمتها والمساعدات التي قدمتها والخيمات الدعوية التي اقامتها، كل هذا العمل كان في اطار استراتيجية واضحة للقاعدة وليس "خصوصية التيار السلفي في تونس".
نجحت القاعدة في تونس في توسيع "حاضنتها" ليس فقط في علاقة بالمواطن العادي الذي كان يتلقى مساعدتها ويستفيد من القوافل الخيرية التي نظمتها انما ايضا من احزاب سياسية ورجال دين، النهضة كانت في تلك الفترة تقول على لسان زعيمها راشد الغنوشي: "التيار السلفي لا يشكل خطرا في تونس" وعدد من رجال الدين دافعوا عن السلفيين. وربما هذا ما دفع السيد راشد الغنوشي مؤخرا للتصريح "هؤلاء خدعوا المجتمع تحت غطاء العمل الدعوي"، رغم ان الامر لا يتعلق باي خديعة انما باستراتيجية فصولها منشورة في أدبياتهم ونصوصهم.